PHOTO 2020 04 21 18 02 26

مساهمة : وباء كورونا بين التماسك و التصدع الاجتماعي

مساهمة

تطرقت المتخصصة في علوم الأسرة بباريس، فتيحة مهداري، من خلال مساهمة لها ب ” ميديا ناو بلوس “، إلى تحليل شامل فيما يخص تغير سلوكيات المجتمع خلال فترة الحجر الصحي جراء جائحة كورونا، و أهم التأثيرات الناجمة عن ذلك السلبية و الإيجابية منها، فيما يتعلق بأفراد الأسرة داخل المجتمع الفرنسي، طارحة السؤال عن أحوال الأسر داخل المجتعات العربية بصفتها ذكورية و سلطوية.

وباء كورونا بين التماسك و التصدع الاجتماعي

كما هو الشأن في العالم بأسره, يعيش المواطنون حالة طوارئ صحية ناتجة عن انتشار وباء كورونا الذي طالما و لازال يحصد العديد من الأرواح بمختلف الأعمار و الفئات الاجتماعية دون إسثتناء.

بل أن العالم أمام حرب, كما صرّح بذلك الرئيس الفرنسي. لا نعرف متى ستنتهي؟ أجل نحن بصدد مواجهة حرب من نوع جديد و بالتالي فالسلاح الحالي للحد من انتشارها هو الحجر الصحي و اتخاذ التدابير الاحترازية الازمة.
ففي هذه الظرفية العصيبة و في , جميع الأمم و الأديان , على الرغم من اختلاف القناعات و المعتقدات الروحية توجد هناك نقطة التقاء أكيدة بين الاستراتيجيات للحفاظ على السلامة الصحية بصفة عامة عن طريق هذا الحجر الصحي تحت شعار متداول , معناه “التزم بيتك” رغم صعوبة تنفيذه لدى البعض.
فبعد تتبع مستمر لما يروج عبر وسائل الاعلام و شبكات التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بهذا الوباء و تداعيات الحجر الصحي على السلوك البشري يمكن استخلاص مجموعة من النقاط التي تتأرجح بين مد و زجر لهذه الاستراتيجية في العالم العربي و الاسلامي علي وجه الخصوص و من أهمها:
كثر الجدل حينما اتُّخِذ القرار الزجري بمنع التجمعات بشتى أنواعها خوفا من تفشي الوباء بما فيها إخلاء و غلق المساجد.
استغل العديد من الأشخاص الظرفية عبر وسائلهم الخاصة لتوهيم المتلقي بأن هذا الوباء هو من علامات الساعة و أنه غضب من الله.
تقمص بعض الدعاة و المشعوذين دور الخبير الطبي أو ما يسمى بالطب المحمدي بتقديم وصفات بأعشاب مختلفة على أساس مؤكد أنها الدواء الناجع لفيروس كورونا و بأقل تكلفة مادية.

ضاربين بعرض الحائط كل الأبحاث و المجهودات التي يقوم بها المختصون في هذا المجال للوصول إلى لقاح فعال مند بداية هذا الوباء.هذا ما يفسر مدى محدودية التوجيه التوعوي لدى البعض أو بالأحرى التنويم المغناطيسي لبعض الفئات التي تتلقى المعلومة دون بدل أدنى جهد لفرز ماهو صحيح عن ما هو مغلوط.
كما أنه على غرار هذه الأزمة الصحية اتضح بشكل ملموس الدور الهادف الذي تقوم به السلطات عبر مختلف بلدان العالم بشكل عام و بمختلف أجهزتها و بشكل خاص على الدور البيداغوجي الفعال، في توعية المجتمع بمدى خطورة هذا الوباء دون اللجوء الى استعمال المقاربة الأمنية كما هو الأمر في حالة الاضطرابات الإجتماعية أو السياسية.
أما على المستوى الانتروبوتوجي و في ظل فترة الحجر الصحي, ثَم الكشف من جهة أولى بشكل كبير عن التفاوت الاستيعابي بين طبقات المجتمع و مدى تأثيره على الفئات الفقيرة و المعوزة بوجه الخصوص.

من جهة ثانية فقد أبان عن تضامن و تكافل أفراد المجتمع بشكل كبير كل حسب قدرته و كفاءاته (مهنية, علمية, مادية, إنسانية…) حتى تبقى المجتمعات متماسكة لمواجهة هذا الوباء.
وبالموازاة أجبر الحجر الصحي المجتمعات على ملازمته دون نقاش وهو يفسر جانبا من السيكولوجيات البشرية رغم الضغوطات , كيفما كان حجمها ووزنها فان الفرد ينصهر داخل المجموعة و ليس العكس, و أن يمتثل العالم الخارجي الى ربط جسر التعاون الاجتماعي من أجل الاستمرارية.ناهيك عن هذا الجانب فإن للحجر الصحي أثر كبير فيما يتعلق بالمعنى الحقيقي و الشامل للمنظومة الأسرية و يستخلص في شقين :
فبالنسبة للشق الأول استرجع مفهوم الأسرة قوته التضامنية بعدما كان متفككا قبل ظهور وباء كورونا حيث كان أفراد الأسرة الواحدة, رغم تعايشهم تحت سقف واحد، بعيدين عن بعضهم البعض طيلة اليوم بحكم العمل، الدراسة أو الذكاء العولماتي…بل أكثر من ذلك، عنصر اللامبالاة فارض وجوده بقوة، كل في عالمه الفرضي الخاص به، متقوقع و منكمش بين تموجات أفكاره تجمعهم فقط لحظات قليلة أثناء تناول وجبات الطعام في غالب ألأحيان حيث لا يعرف أحدهم كيف قضى الآخر يومه.
ففي ظل الحجر الصحي تتفاعل الأسرة و تتلاحم بل أكثر من ذلك أصبح يكتشف أفرادها بعضهم البعض عن قرب طيلة ساعات اليوم وينتبهون لأشياء لم يلمحوها من قبل أو لم يكن لهم الوقت الكافي لملاحظتها رغم بساطتها.

أصبح كل فرد يقوم بالدور المنوط به فيما يتعلق بالائتلاف العائلي و فتح باب الحوار و تبادل الآراء بعدما كان في السابق متعثرا أو شبه منعدم.
أما بالنسبة للشق الثاني للحجر الصحي، فانه بالموازاة مع ما خلفه من قيم تضامنية، اجتماعية و سلوكية… فقد سرّع أيضا من وثيرة الضغوطات النفسية على أفراد المجتمع بشكل عام ترتبت عنه سلوكيات غير مقبولة في الوقت الراهن او بالأحرى تصرفات عدمية أو لا مسؤولة تعرقل مواكبة الحملات التحسيسية للحد من انتشار هذا الوباء.
و بصفة خاصة فإن الحجر الصحي داخل الأسرة و الاحتكاك اليومي على مدار الساعة بين أفرادها خلق آثار متفاوتة الضرر ناتجة عن مشاحنات قد تكون لأتفه الأسباب مما يترتب عنه العنف داخل الأسرة و بالخصوص التعنيف الزوجي.
على سبيل المثال، فإن المجتمع الفرنسي ورغم ما يتمتع به من ديمقراطية و إحترام حقوق الإنسان، فقد سجل ارتفاعا في نسبة التعنيف الزوجي خلال هذه الفترة بنسبة 45 بالمئة قياسا بالظروف العادية، مما يطرح السؤال عن نسبة هذه الإحصائيات في المجتمعات العربية و التي بطبيعتها ذكورية، سلطوية و معنفة.
فبعدما كان معظم وقت الرجال بعيدا عن البيت ما بعد العمل، إما في المقاهي أو المساجد، أصبحوا محجورين و في نفس الوقت متربصين بشكل حساس لسلوك وردات فعل من حولهم و بالخصوص الزوجات الشيء الذي ينتهي بمشادات كلامية تؤدي الى العنف الجسدي في غالب الأحيان.
زيادة على ذلك، فإن الحجر الصحي زاد من شراسة المدمنين على تناول المخدرات نظرا لعدم تمكنهم من الحصول على جرعتهم اليومية لقلة العرض أو نفادها وبالخصوص الوجود المكثف للانتشار الأمني. الشيء الذي دفع الى إرتفاع نسبة الجرائم بمختلف صفاتها بل أكثر من ذلك حالات تم تسجيل حالات انتحار غير طبيعية رصدت في بعض المدن.
كما أبان الحجر الصحي على ظاهرة أخرى داخل المجتمعات و يتعلق الأمر هنا بمصير الأشخاص دون مأوى و الأجانب في وضعية غير قانونية حيت لا توجد دراسة تقييمية لهذه الحالات الاجتماعية التي حجبها الوباء.
في نهاية الأمر، يمكن القول بأن الحجر الصحي هو بمثابة مجهر مكبر كشف عن العديد من الثغرات، التداعيات و تناقضات المجتمع التي لم تكن ظاهرة وواضحة ما قبل مرحلة فيروس كورونا.

 

مهداري فتيحة
متخصصة في علوم الأسرة بباريس

عن Nawel Thabet

شاهد أيضاً

رياضيو روسيا وبيلاروسيا لن يشاركوا في حفل افتتاح اولمبياد باريس

أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية الثلاثاء أن رياضيي روسيا وروسيا البيضاء لن يشاركوا في مراسم استعراض …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Facebook
ميديا ناوبلوس - MEDIANAWPLUS