inbound338790369717845292

الباغيت الفرنسية: 250 غراما من السحر والإتقان

لا يعرف تاريخ صنع أول باغيت فرنسية، وذلك، فإنها تظل مفتاحا للهوية الفرنسية، ورمزا للكلاسيكية الراقية التي ينبعث عطرها من الزقاق الباريسية العتيقة. حيث قال الرئيس إيمانويل ماكرون إن خبز الباغيت “موضع حسد في جميع أنحاء العالم”.

خولة أحمد – مواقع

بيد أن الطلب على الباغيت بات في تناقص في السنوات الأخيرة، إذ يكافح الخبازون التقليديون ضد ظهور أشياء مثل سلسلة المحلات الكبرى وما تقدمه من معجنات مختلفة، وزيادة شهرة خبر الـ”سوردو”.

 

ولكن ثمة ما يحتفل به في هذا الصدد وهو وضع اليونسكو لخبز الباغيت ضمن قائمة “التراث الثقافي غير المادي” العالمي.

وأعلنت الهيئة أنها أضافت “مهارة حرفة صناعة خبز الباغيت الفرنسي وثقافته” إلى قائمتها المكونة من 600 ممارسة تقليدية أخرى، لتنضم إلى أشياء مثل صنع الشاي التقليدي في الصين ورقصة الأقنعة الكورية المعروفة باسم “تالشوم”، وكلاهما أدرج أيضا لأول مرة في عام 2022.

وقالت أودري أسولاي، رئيسة اليونسكو، إن هذا الإدراج “يحتفي بأسلوب الحياة الفرنسي”، مضيفة: “الرغيف الفرنسي هو طقس يومي، ومكون أساسي في وجبة الطعام، ومرادف للمشاركة والعيش المشترك. من المهم أن تستمر هذه المهارات والعادات الاجتماعية في الوجود في المستقبل”.

inbound8324662608905071280
الوفد الفرنسي يحتفل بعد إدراج الباغيت الفرنسية ضمن تراث اليونسكو

ولا يعرف بدقة كيف ظهر الباغيت، فالحكاية كأصل الحكايات كلها، لديها مرويات مختلفة، ولا وقائع نهائيّة حول صدقيّتها. إذ  يقول المؤرّخون الفرنسيّون إن الخبز الفرنسي أصبح على شكله هذا، بما يعرف الباغيت الطويل، بعدما أمر مستشارو نابليون الخبازين بجعله هكذا، تسهيلاً لحمله من الجنود المتنقّلين من حدود إلى أخرى، ومن مواقع قتاليّة إلى معارك ساخنة. وبهذا، لا يضطرون إلى إثقال حمولتهم بخبز دائري. تصبح مهمة حمل الخبز الطويل أكثر سهولة، بوضعه في الجيوب بعد تقسيمه إلى قطع، أو بوضعه في حقائبهم الصغيرة كبواريدهم، أو وضعه على شكل عصا ملتصقاً بأقدامهم.

 

أما بعض المؤرخين فيقولون إن الخبز ليس فرنسياً في الأصل، وقد جاء من فيينا. وانتقل مع بدايات القرن التاسع عشر إلى العاصمة باريس، وعرفه الخبازون الباريسيون قبل غيرهم، ثم طوروه ليصبح على شكله الآن، خصوصاً أنّه خضع لقانون خاص يحظر على الخبازين البدء بعملهم قبل الرابعة صباحاً. فصار بهذا الشكل بعد اعتمادهم طريقة تحضير لا تتطلب وقتاً طويلاً للعجن. وأصبح الباغيت خبزاً يحظى بشعبية عالية بعد الحرب العالمية الأولى، بعدما أصيب العديد من الخبازين بتشوُّهات أو شلل من جراء مشاركتهم في القتال، أو بعد فقدان عدد كبير منهم في صفوف المقاتلين، بعد إجبارهم على الالتحاق بالحرب، وكانت هناك ضرورة لصناعة خبز بشكل سريع. فاستخدمت الطريقة النمساوية، وتطورت لتحظى من تلك اللحظة بهذه الشهرة، وأيضاً بالطلب، وفقاً للطريقة التي أجبرت الحرب الخبازين على اعتمادها.

 

على الرغم من ذلك، فإن الباغيت كما نعرفه اليوم تم تسميته رسميا منذ ما يزيد قليلا عن 100 عام فقط، في عام 1920. ثم وضعت قواعد صارمة بشأن الخبز الذي يُصنف على أنه الباغيت، إذ لابد وأن يكون طوله موحدًا في 80 سنتميترا ووزنه 250 جرام . حتى أنه كان له سعر ثابت حتى عام 1986.

 

وبحلول منتصف القرن العشرين، كان الرغيف الفرنسي قد انتشر في ربوع البلاد. لكن منذ عام 1970، ظل نحو 400 مخبز يغلق سنويا، حتى انخفض العدد الإجمالي في جميع أنحاء فرنسا من 55 ألف مخبز إلى 35 ألف مخبز اليوم، وفقا لوكالة فرانس برس.

ومع ذلك، فإنها تظل مفتاحا للهوية الفرنسية، حيث قال الرئيس إيمانويل ماكرون إن خبز الباغيت “موضع حسد في جميع أنحاء العالم”.

وأشار ماكرون، الذي يسعى طويلا لإضافة الباغيت إلى قائمة اليونسكو، بعد الإعلان عن إضافته إلى القائمة “250 غراما من السحر والاتقان في حياتنا اليومية”.

أما بالنسبة إلى الخبازين الحرفيين الذين ما زالوا مخلصين للباغيت، فجاءت أخبار الأربعاء بوصفها اعترافا مرحبا به بالحرفة التي أتقنوها.

وقال دومينيك أنراكت، رئيس اتحاد الخبازين، في بيان صحفي: “الرغيف الفرنسي عبارة عن دقيق وماء وملح وخميرة، ومعرفة الحرفي”.

وأشارت الخبازة الباريسية بريسيلا هايرتز لوكالة فرانس برس أنه “منتج أساسي” ولكنه “يؤثر على جميع الفئات الاجتماعية والثقافية، سواء كنت غنيا أو فقيرا … لا يهم، الجميع يأكل خبز الباغيت”.

IMG 8015
خبز باغيت فلو دي لوار، ببلوا .صورة ميديا ناو بلوس

ولهذا الخبز، بسبب شهرته ومحبة الفرنسيين له، مسابقة سنوية هامة على صعيد الدولة. ويتنافس عليها الخبازون من مختلف المدن والقرى، ومن يفوز بها يحتفظ بمكانة هامة، وتتغير حياته ربما، ويصبح مقصداً حتى للسياح.

ولا يخلو أي بيت من الباغيت، لا شقة ولا مطعم ولا مقهى صغير حتى. يرافق الباغيت الحياة الفرنسية كالماء. تجده مع الوجبات كلها، ومرافقاً لكؤوس النبيذ، ومع فناجين القهوة. يكاد يتجاوز بشهرته “الكرواسان” التقليدي، وله سحره الخاص لدى السياح. يحب الناس الباغيت مع جبنة الماعز، أو مع القشطة، أو مع الزبدة الناعمة الآتية من مزارع النورماندي، أو برفقة المربَّيات المعروفة من براري البيرينيه في الجنوب الفرنسي.

 

الباغيت العربي

وتأثرت بلدان كثيرة بوصفة الباغيت الفرنسية. وينتشر انتشاراً واسعاً في بعض البلدان العربية، كالجزائر وتونس والمغرب. ففي الجزائر، هناك الباغيت الذي يشبه بشكله وبعض مذاقه الباغيت الفرنسي، لكن لديه خصوصية أنه أكثر طراوة وقشرته أقل خشونة. وتعد الجزائر البلد الأكثر استهلاكاً للباغيت عالمياً. ومن خلال إحصائيات “منظمة الأغذية والزراعة” (الفاو)، فإنّ الجزائر تستهلك هذا الخبز بمعدل يصل إلى 48 مليونا وستمائة ألف قطعة باغيت يومياً. أما في فرنسا، فيتم استهلاك ما معدله 30 مليون قطعة يومياً.

عن Houda Mechachebi

شاهد أيضاً

رياضيو روسيا وبيلاروسيا لن يشاركوا في حفل افتتاح اولمبياد باريس

أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية الثلاثاء أن رياضيي روسيا وروسيا البيضاء لن يشاركوا في مراسم استعراض …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Facebook
ميديا ناوبلوس - MEDIANAWPLUS