في فجر 24 فيفري من السنة الفارطة 2022، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن بدء ما أطلق عليه “عملية عسكرية خاصة” تهدف إلى “نزع سلاح” أوكرانيا والقضاء على “النازيين” فيها. وبمرور سنة حافلة بأحداث لم تكن صورها بعيدة كثيرا عن الحرب العالمية الثانية، تستمر المواجهة العسكرية بين روسيا وأوكرانيا وتتواصل معها تداعيات هذه الحرب على القارة الأوروبية والعديد من دول العالم وعلى جميع الأصعدة.
هدى مشاشبي /ميديا ناو بلوس
تعدّ الحرب الروسية الأوكرانية، الأعنف منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فعملية بوتين العسكرية “الخاصة” التي كان يفترض لها أن تكون خاطفة تنتهي في غضون ساعات بإسقاط نظام كييف و”نزع سلاحها”، أضحت هي الأطول زمنيا، وإلى غاية اليوم وبعد مرور سنة كاملة على بداية الحرب لا تزال كييف تقاوم الغضب الروسي بالرغم من الخسائر الفادحة في الأرواح والعتاد والدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية الأوكرانية.
بدأت روسيا غزوا واسع النطاق على الأراضي الأوكرانيا، استهلته بضربات جوية في عدد من المدن ، ودخلت القوات البرية من الشمال من بيلاروس حليفة موسكو، في الشرق والجنوب.
وأثار الهجوم الروسي، الذي جاء بعد أشهر من التوتر وفشل الدبلوماسية الأوروبية والغربية لتجنب الحرب، سيلا من الإدانات الدولية، والدعوات إلى ضبط الأنفس والتريث.
وفرض الغرب سلسلة من العقوبات الاقتصادية على روسيا تم تشديدها بمرور الوقت. وفي خطوة غير مسبوقة، أعلن الاتحاد الأوروبي تسليم أسلحة لأوكرانيا ودعما ماليا ضخما، وأرسلت الولايات المتحدة مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية.
وتحتل القوات الروسية نحو 18% من أوكرانيا، ولكن وفقا لقائد الجيش الأوكراني فاليري زالوجني، استعادت كييف 40% من الأراضي المحتلة بعد غزو 24 فيفري.
ويمتد خطّ الجبهة “النشط” على طول 1500 كيلومتر من الشمال إلى الجنوب في شرق أوكرانيا، بحسب للجنرال زالوجني.ويستحضر الوضع في شرق أوكرانيا الغارق في الحرب والدماء صور الحرب الكبرى. جنود منهكون في قاع الخنادق الموحلة، وقصف مدفعي متواصل، وحفر ضخمة خلفتها القذائف، ومشاهد مدن وقرى مدمرة تبعث على الرعب..
حصيلة عسكرية ومدنية ثقيلة
تشير الأرقام المقدمة من طرف عدد من الدول الغربية، إلى تسجيل حوالي 150 ألف قتيل وجريح في صفوف الجيش الأوكراني، ومثلها في صفوف الجيش الروسي. وفي الإجمال، يقدّر أن 30 إلى 40 ألف مدني قتلوا في الحرب، وفقا لمصادر غربية.
في نهاية يناير المنصرم، قدّرت الأمم المتحدة عدد القتلى والجرحى بنحو 18 ألفا، مع الإقرار بأن “الأرقام الفعلية أعلى بكثير”. وقالت كييف إن بين القتلى أكثر من 400 طفل.
وأكدت الهيئة الأممية، إن “معظم الضحايا قتلوا في القصف الروسي”، كما حصل في دنيبرو حيث قتل في منتصف شهر يناير ما لا يقل عن 45 شخصا بينهم ستة أطفال عندما ضرب صاروخ عابر مبنى سكنيا. فيما الكرملين مسؤوليته عن الضربة.
ولا يزال بضعة آلاف من المدنيين يعيشون في المدن التي تتعرّض للقصف مختبئين في الأقبية، بدون ماء أو كهرباء، معتمدين على المساعدات الإنسانية التي يقدمها متطوعون شجعان.
مذبحة في بوتشا
في غضون أيام، سيطرت القوات الروسية على ميناء بيرديانسك الرئيسي والعاصمة الإقليمية خيرسون القريبة من البحر الأسود، بالإضافة إلى عدة بلدات حول كييف في وسط شمال البلاد.
لكن محاولتها السيطرة على العاصمة اصطدمت بمقاومة القوات الأوكرانية ومن ورائها الرئيس فولوديمير زيلينسكي الذي تحول إلى قائد حقيقي، واستطاع أن يشدّ إليه أنظار العالم ويكسب احترام الجميع.
في الثاني من أفريل، أعلنت أوكرانيا تحرير منطقة كييف بأكملها بعد “الانسحاب السريع” للقوات الروسية التي أعادت انتشارها في الشرق والجنوب من أجل “الحفاظ على سيطرتها” على الأراضي التي تحتلها هناك.
في بلدة بوتشا التي دمرتها المعارك، عثر في الشوارع على جثث مدنيين أعدموا بدم بارد. لاحقًا عُثر على جثث مئات المدنيين حمل بعضها آثار تعذيب في مقابر جماعية في المدينة الصغيرة الواقعة على مشارف كييف.
وأثارت صور هذه المجازر المنسوبة لروسيا استياء الغرب والأمم المتحدة وتعددت الاتهامات بارتكاب جرائم حرب، رغم نفي موسكو.
وفي 2 مارس 2022 فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في أوكرانيا. بحيث نسبت إلى القوات الروسية عمليات إعدام واغتصاب وتعذيب وخطف أطفال، وقالت كييف إن أكثر من 16 ألفا منهم نقلوا إلى روسيا أو إلى منطقة خاضعة للسيطرة الروسية. واتهم محقّقو الأمم المتحدة في سبتمبر روسيا بارتكاب جرائم حرب “واسعة النطاق”. كما اتهمت أوكرانيا بارتكاب جرائم حرب ضد أسرى روس.
في شهر مارس، وبعد نحو أسبوعين من بداية الغزو الروسي على أوكرانيا، اتفق الطرفين على فتح 10 ممرات إنسانية تسمح بخروج المدنيين من مناطق الصراع إلى دول الجوار، حيث تم تسجيل أكثر من 8 ملايين لاجئ أوكراني موزعين على عدد من المدن الأوروبية.
المفاجأة الأوكرانية
في 21 أفريل، أعلن الكرملين دخول ماريوبول، الميناء الاستراتيجي على بحر آزوف الذي كانت تحاصره قواته وتقصفه منذ أوائل مارس مما أدى إلى قطع الإمدادات الحيوية والمياه والكهرباء والتدفئة.
سمحت السيطرة على هذه المدينة لروسيا بضمان التواصل بين قواتها من شبه جزيرة القرم – شبه الجزيرة الأوكرانية التي ضمتها موسكو في عام 2014 – والمناطق الانفصالية في دونباس.
وقالت كييف إن 90% من ماريوبول دمرت وقتل فيها ما لا يقل عن 20 ألف شخص
في بداية شهر سبتمبر أعلن الجيش الأوكراني هجوما مضادا في الجنوب قبل أن يحقق اختراقًا مفاجئًا وخاطفًا للخطوط الروسية في الشمال الشرقي، ويرغم الجيش الروسي على الانسحاب من منطقة خاركيف التي كانت مسرحا لمعارك عنيفة.
وهدفت العملية إلى استعادة خيرسون الواقعة على الضفة الغربية لنهر دنيبر والعاصمة الإقليمية الوحيدة التي سقطت في أيدي القوات الروسية في بداية الغزو.
خطوة بخطوة، استعاد الجيش الأوكراني المزود بأنظمة عسكرية غربية عشرات البلدات، وقصف بلا توقف مستودعات الذخيرة وخطوط الإمداد الروسية في المنطقة.
وفي 18 أكتوبر، بدأت موسكو بإجلاء السكان وإدارة الاحتلال من خيرسون.
وفي 11 نوفمبر، بعد يومين من انسحاب القوات الروسية، استعادت كييف السيطرة على المدينة في “يوم تاريخي” كما وصفه الرئيس زيلينسكي.
وعمدت روسيا بشكل منهجي إلى قصف محطات الطاقة والمحولات الأوكرانية بالصواريخ والطائرات المسيرة، فغرق السكان في الظلام والبرد القارس.
وفي كانون يناير2023، عاد الجيش الروسي إلى شن هجمات عنيفة لا سيما في دونباس، بدعم من قوات مجموعة فاغنر شبه العسكرية ومئات الآلاف من جنود الاحتياط الذين تمت تعبئتهم منذ سبتمبر.
وأمام طلبات زيلينسكي المتكررة وبعد فترة من المماطلة خشية إثارة تصعيد، قررت الولايات المتحدة الأميركية وعدد من الدول الأوروبية على غرار فرنسا شهر يناير المنصرم إرسال عشرات الدبابات الثقيلة لدعم قدرة الجيش الأوكراني على صدّ الهجمات الروسية.
إنه وبعد عام من الحرب الروسية الأوكرانية، التي هي في الحقيقة مواجهة بين روسيا والغرب، يمكن القول أن هذه الأخيرة هي وبلا شك حرب سيعاد على إثرها بناء الخريطة الجيوسياسية لأوروبا بأكملها، كما ستجبر العديد من دول العالم على إعادة رسم علاقاتها وتوضيح موقعها في دائرة صراع يبدو أنها ستتوسع مع قادم الأيام..
مصادر إضافية: أ ف ب