PHOTO 2020 04 21 17 29 19

مساهمة : حالة الطوارئ بين الإكراهات الصحية و استرجاع الدولة لهيبتها

 

وقفت المختصة في علوم الأسرة بباريس، فتيحة مهداري، في مساهمة لها على موقع ” ميديا ناو بلوس”، على ما خلفته جائحة كورونا من خراب، رمى بضلاله على مختلف الجوانب، الإقتصادية، السياسية و الإجتماعية عبر مختلف بلدان العالم المتضررة.

و خصصت فتيحة مهداري حيزا كبيرا خلال مساهمتها “حالة الطوارئ بين الإكراهات الصحية و استرجاع الدولة لهيبتها” لبلدان المغرب العربي الكبير،آخذة بذلك عينة منه، لتسليط الضوء على وجه الخصوص على بلاد المغرب.

حالة الطوارئ بين الإكراهات الصحية و استرجاع الدولة لهيبتها

تعرض العالم بأسره إلى زلزال فريد من نوعه، ألا وهي جائحة كورونا و تداعياتها الوخيمة على المستوى الاقتصادي مما دفع ببورصات نيويورك، باريس, لندن وطوكيو إلى إنخفاض مهول في أسهمها بما يعادل 37 بالمائة، إلى جانب انهيار أسعار النفط بمعدل 85 بالمائة و ارتفاع البطالة بنسبة 15 بالمائة، فضلا عن الهلعين الإقتصادي و الإجتماعي.

و الشأن ذاته بالنسبة للجانب السياسي في العالم الذي أصبح يعرف إضطرابات في الأجندات و البروتوكولات المتعارف عليها وفق إلتزامات كل بلد سواء تلك الداخلية أو الخارجية.
وقوفا على المستوى الإجتماعي الذي خطف الأنظار بشكل زائد عن المألوف لِما خلّفه وقع الجائحة على البناء المجتمعي و ُسلّمه الهرمي بشكل عام ثم التدابير المُتّخذة لمحاولة خلق التوازن في المنظومة التعليمية مما يطرح التساؤل عن مصير السنة الدراسية 2020 خاصة على الفئات الهشة و التي لا تتوفر على شبكة الإنترنيت.
انبهار الرأي العام بالتنسيق البيداغوجي الأول من نوعه بين الإعلام و الجهاز الأمني لتغطية أحداث الحجر الصحي، مما أدى إلى استرجاع الدولة لهيبتها بشكل هادئ وتدريجي دون ترويع الرأي الشعبي.
من هنا يمكن تسليط الضوء على بلدان المغرب العربي الكبير بشكل خاص، لكونها أبانت عن جدارتها و كيفية تعاملها مع جائحة كورونا مستفيدة من أخطاء باقي دول العالم بما فيها الدول العظمى بشهادة كبريات الدول الأوروبية و المنظمات الدولية.
فمباشرة بعد اتخاذ المغرب القرار الفوري بإغلاق حدوده الجوية, البحرية و البرية بتاريخ 15 مارس, سعى على جناح السرعة إلى إحداث صندوق تضامني خاص لتدابير مواجهة وباء كورونا، هذا الأخير ساهم فيه جميع الأشخاص من الفعاليات الذاتية و المعنوية، على رأسهم ملك البلاد لتتجاوز حصيلته 3 مليار دولار.
هذا الصندوق الذي خُصص للتكفل بالنفقات المتعلقة بتأهيل الآليات و الوسائل الصحية و تدعيم الإقتصاد الوطني و إيصال الدعم للفئات الهشة من المجتمع و المقاولات وكذلك لدعم القطاعات الأكثر تضررا من هذه الجائحة.

فضلا عن استفادة الطبقة الهشة و المعوزة من إعانة شهرية خلال فترة الحجر الصحي تتفاوت قيمتها حسب عدد أفراد الأسرة المستفيدة منها.
في مرحلة موالية, تم إغلاق المدارس بقطاعيها الخاص و العام و تعويضها بالأقسام الافتراضية أو ما يسمى بالتعليم عن بُعد.

بل و في بعض الحالات و إبّان الحجر الصحي تم تحويل أقسام بعض المدارس العمومية إلى مأوى اجتماعي لفئة المتشردين. في حين أن التعليم الخاص و بالرغم من إستفادته من الدعم، بصفته مؤسسة أو مقاولة تربطه بأولياء و آباء التلاميذ صفة تعاقدية، في ظل غياب قانوني في تحديد أسعارها, دفع بعض مُسيّريها إلى إلزام الآباء بأداء الواجب الشهري خلال الفترة الوبائية بل الضغط عليهم في حالة عدم الخضوع إلى توقيف أبنائهم المُتمدرسين لدى مؤسساتهم عن إتمام السنة الدراسية و فرضية منعهم من اجتياز الامتحان السنوي.

الشيء الذي يطرح التساؤل عن مصير المتمدرسين بجميع مستوياتهم للسنة الدراسية الحالية و التي هي على وشك الإنتهاء بكلا القطاعين.

و ما هو البديل لاستدراك المقرر الدراسي المتعثر في هذه الظرفية بتعليق الأقسام الحضورية و تعويضها بالأقسام الإفتراضية هذا التعثر الناتج عن أسباب تقنية أو منهجية للتواصل بين المدرس و المتمدرس.
كما أن الدولة إبّان حالة الطوارئ و لأول مرة في تاريخها يتم التنسيق بين الإعلام و الأمن على المباشر و إغراق شبكات التواصل الإجتماعي بالصوت و الصورة عن تحركات و تدخلات الأجهزة الأمنية على أرض الواقع و الإحتكاك المباشر بالمواطن بكل شفافية و اجتناب المقاربة الأمنية التقليدية.
إضافة إلى ذلك تمكنت الدولة من استرجاع هيبتها بشكل واضح و قوي مما ساعدها على عملية تنخيل المجتمع و محاربة بعض الظواهر الإجتماعية الهامشية (القطاع غير المهيكل و كذلك القطاع العشوائي غير المقنن) و التصدي للجيوب الإجرامية خصوصا داخل الأحياء و المناطق الحساسة أو في هوامش المدن الكبرى.
بداية اعتمدت الدولة على الحملات التحسيسية و شروط الوقاية الضرورية للسلامة الصحية لتنتقل في مرحلة ثانية إلى عملية الردع بتوقيف مخالفي معايير قانون الحجر الصحي و عدم امتثالهم للقوانين التي تفرضها حالة الطوارئ.

الأمر الذي يفسر تسجيل نسبة تناهز 40 ألف توقيف للمخالفين و إحالة 35 بالمائة منهم إلى النيابة العامة و يطرح السؤال عن تبعيات المسطرة بخصوص هذه الإعتقالات هل ستستمر لتطبيق العقوبات بصفة أكثر؟
إذ لازال هناك خرق للإمتثال لبروتوكول الحماية الصحية من طرف المواطنين رغم فرض حضر التجول و تحديده في الساعة السادسة مساءا ثم تمديده الى الساعة السابعة بحلول شهر رمضان.

بالإضافة إلى عدم احترام المسافة القانونية و إجبارية وضع الكمامات الوقائية… على الرغم من مرور ستة أسابيع على الحجر الصحي. مقارنة مع فرنسا التي سجلت منذ بداية الحجر الصحي مليون و 200 ألف مخالفة من بينها 830 ألف حالة طبقَت فيه غرامات بقيمة 135 أورو على المخالفين إذ أنها أدركت أن ضرب الجيب هو أفضل طريقة للردع.
و عموما هناك عدة تساؤلات تطرح نفسها فيما يتعلق بسيناريو رفع الحجر الصحي على عدة قطاعات و بوجه الخصوص قطاع التعليم, الوظيفة العمومية و الترابية و الطبقة الشغيلة بالقطاع الخاص.

كما لا يمكن ألا يُطرح السؤال عن الموسم السياحي في الصيف واستعدادات الإقتصاد الفلاحي للشروع في تسويق قطيع الأغنام لعيد الأضحى.

و من جهة أخرى كيف ستتم العودة إلى الحالة الطبيعية لوسائل النقل الجوي و البري و تداعيات ذلك على الجالية المغاربية المقيمة بالخارج؟ كل هذه الأسئلة تطرح نفسها في جميع الدول العربية و الإسلامية و تُلح عليها الكثير من المنظمات الأممية وعلى رأسها المنظمة العالمية للصحة.
و في الأخير تُطرح إشكالية الأجندة السياسية فيما يتعلق بتنظيم الحملات الإنتخابية للإستحقاقات التشريعية المبرمجة مبدئيا في المغرب في أوائل السنة المقبلة.

كما يتساءل الكثير عبر وسائل التواصل الإجتماعي عن مصير الحراك الشعبي في الدولة الشقيقة الجرائر و تداعياته على الإستقرار و الأمن داخل البلدين في غضون الأزمة الإقتصادية التي أجمع الخبراء على خطورتها و أثرها على التماسك الإجتماعي.
و من هذا المنبر يجب التنويه بالأجهزة الأمنية و المنظومة الصحية في دول المغرب العربي الكبير التي تعاملت مع الوباء عبر تعبئة جميع أجهزة الدولة لحماية المواطنين.

في حين لا يمكن تجاهل إشكالية المأساة البشرية و الإقتصادية و الإجتماعية التي تهدد القارة الإفريقية حيت أن المؤسسات الدولية أعربت عن مخاوفها وقلقها بشأن احتمال تصدع إجتماعي و انتفاضات في الأوساط الفقيرة بالقارة السمراء.
نعم إن وباء كورونا و انتشاره بسرعة البرق بجميع القارات يؤشر عن سباق جديد و مخيف للتسلح أو ما يعرف بالحرب الوبائية أو الفيروسية. حيث لا ندري هل هذا الوباء من “فعل الإنسان أو نقمة من الرحمان” على حد تعبير أحد المتدخلين في النقاش بالمهجر.

كل هذه الأشياء تزيد من حدة تصاعد الكسر السياسي بين الحكومات و شعوبها فيما يتعلق بالأمن الصحي ضد خطر الأوبئة العابرة للقارات.

 

مهداري فتيحة
متخصصة في علوم الأسرة بباريس

عن Nawel Thabet

شاهد أيضاً

parisccc

فرنسا: الجمعية الوطنية تتبنى قرارا يندد بـ”القمع الدامي والقاتل” لجزائريين في 17 أكتوبر 1961

أيد 67 نائبا اقتراح قرار “يندد بالقمع الدامي والقاتل في حق الجزائريين، تحت سلطة مدير …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Facebook
ميديا ناوبلوس - MEDIANAWPLUS