تعيش فرنسا منذ نتائج الجولة الأولى للإنتخابات التشريعية التي عرفت فوز اليمين المتطرف لمارين لو بان، زلزالا سياسيا.باتت من خلاله العديد من السيناريوهات تفرض نفسها عشية الدورة الثانية لهذا الإستحقاق الموافق ليوم الأحد 7 جويلية، أمام ضبابية المشهد السياسي.
وتتضاعف التساؤلات وسط ترقب و قلق شديدين، حول كيفية رسم اليمين المتطرف للتجمع الوطني خارطة فرنسا في اليوم الموالي للجولة الثانية لهذا الإقتراع ؟ و كيف ستكون العلاقات بين أطرف السلطة داخليا و دبلوماسيا عبر بلدان المغرب ؟و هل ستكون حكومة فرنسا معطلة تعاني من إنسداد و شلل سياسي تامين في حال غياب الأغلبية البرلمانية للكتلات السياسية الثلاثة الموجودة في المقدمة بين اليمين المتطرف، الجبهة الشعبية الجديدة و حزب “معا” التابع للرئيس إيمانويل ماكرون؟
توتر كبير و غموض سياسي عميق، يسودان فرنسا عشية إنطلاق الجولة الثانية لإنتخابات تاريخية في عهد الجمهورية الخامسة.
كلها أسئلة حاولنا تسليط الضوء عليها من خلال حوار خص به الدكتور أحمد البرقاوي، أكاديمي مختص في الدراسات الجيوستراتجية، موقع “ميديا ناو بلوس” الإخباري.حوار.
حاورته نوال.ثابت / ميديا ناو بلوس
ميديا ناو بلوس : وسط أجواء الترقب و الخوف التي ترفضها نتائج الجولة الثانية للإنتخابات التشريعية، في رأيكم، ماهي السيناريوهات المتوقعة في اليوم التالي للجولة الثانية للانتخابات التشريعية؟
د. أحمد البرقاوي : ما نلاحظه داخل الرأي العام الداخلي الفرنسي، أن هناك قناعة بفوز اليمين المتطرف.و تبقى فقط مسألة الأغلبية المطلقة التي تسمح له بقيادة الحكومة القادمة التي لا تزال مطروحة.في حال تحصل التجمع الوطني على الأغلبية، سيسمح له ذلك بتطبيق برنامجه الفاشي.لكن من الممكن جدا إفشال هذه الفرضية إذا وقع تحالف بين الأطراف اليسارية و من الوسط المعتدل و أيضا بعض الأطياف السياسية من اليمين المعتدل.هذا السيناريو قد يتحقق بعد تنحي أكثر من 210 مرشحين من اليسار أو معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون لصالح خصومهم لقطع الطريق أمام حزب التجمع الوطني ومنعه من الحصول على الأغلبية المطلقة الأحد المقبل 7 جويلية.
و يعد إنسحاب المترشحين، سابقة من نوعها. لأول مرة يقع مثل هذا التنازل غير المسبوق بين كتلة “معا” لإيمانويل ماكرون و الجبهة الشعبية الجديدة.
و أصبح عدم فوز اليمين المتطرف بالأغلبية المطلقة، أمر وارد جدا لمنع الطريق أمامه و عرقلته من تمرير برنامجه الذي قد يهدد السلم الإجتماعي في فرنسا كما لا يخدم مصالح البلاد لا على المستوى و لا من الجانب الخارجي لاسيما موقع فرنسا داخل القارة الإفريقية.
ميديا ناو بلوس : ماذا سيحدث ان لم يفز اي حزب بالأغلبية المطلقة ؟
د.أحمد البرقاوي : إذا لم يفز أي حزب بالأغلبية المطلقة، هناك 3 سيناريوهات، السيناريو الأول : فوز اليمين المتطرف بأغلبية نسبية و سيجد التجمع الوطني نفسه مضطرا من التقرب من نواب اليمين التقليدي بقيادة إريك سيوتيه، ذو الأفكار اليمينية المتطرفة و التصريحات المعادية للمسلمين، و الذي إنضم مؤخرا إلى صفوف اليمين المتطرف.تبقى هذه الإمكانية واردة جدا حتى يستطيع التجمع الوطني قيادة البلاد برئاسة حكومة جوردان بارديلا.
السيناريو الثاني : قد لا يتحصل فيه حزب مارين لو بان على الأغلبية المطلقة و لا النسبية في آن واحد، مما سيسمح للطرف المقابل المتمثل في التحالف الواسع بين إيمانويل ماكرون و الجبهة الشعبية الجديدة و غيرها من الأطياف الأخرى، أن يكون في معادلة بعيدة عن الأغلبية المطلق،ة لكن سيسمح له الأمر إما بإستمرار غابرييل أتال كرئيس حكومة إلى غاية تنظيم إنتخابات برلمانية مبكرة بعد سنة وربما قد تكون إنتخابات برلمانية رئاسية.
أما السيناريو الثالث فقد سيضطر الجميع إلى اللجوء للإتفاق حول حكومة تقنوقراطية و هي الفرضية المطروحة حاليا على الطاولة مما قد يسمح لفرنسا إلى التوجه نحو إنتخابات تشريعية أخرى مبكرة.
و هنا، ستكون فرنسا يوم الإثنين 8 جويلية،أي في اليوم الموالي للجولة الثانية من الإنتخابات التشريعية، أمام تحدً خطير، قد يتسبب في إنسداد في التعاطي من أجل إبراز كتلة لتقود البلاد و بالتالي سيكون هناك إنسداد و إنغلاق تامين.و لن يسمح ذلك لأي طرف بقيادة البلاد بعد وصول هذه التكتلات الحزبية إلى طريق مسدود.الأمر الذي سيفتح المجال أمام بعض الأطياف المتطرفة لتهديد السلم الإجتماعي في فرنسا.وهذا ما يخشاه المراقبون.
و ستلقي هذه الأزمة الداخلية في فرنسا بضلالها على علاقاتها مع دول الإتحاد الأوروبي،و خارجه في حال إستمرارها.و سيتعذر الأمر على فرنسا قيادة أوروبا مع ألمانيا كما هو الحال.و على الصعيد الدولي، فقدأصبحت فرنسا ضعيفة، خاصة بعد فقدانها الثقة لدى العديد من كبريات دول القارة السمراء.
و على الجانب الإقتصادي، فستؤثر إنعكاسات الأزمة على الوضع داخل البلاد و تهدده وسط تراكم ديون فرنسا التي فاقت 3000 مليار يورو ما يعادل أكثر من 80 في المئة من الناتج المحلي.
فقط يجب أن أذكر، أن هذه الأزمة و تراكم الديون راجعان إلى جائحة كورونا بالإضافة إلى إرتفاع التضخم، مما أدى إلى تدهور القدرة الشرائية للمواطن الضعيف.كما أن الرئيس ماكرون لم ينجح في تهدئة الشارع خلال أزمة السترات الصفراء التي واجهته.فضلا عن إنتهاجه أيضا بتقديم وزير الداخلية شعار الإنفصالية و سياسة التخويف من الإسلام و عدم إندماجه، الأمر الذي زاد من خطابات الكراهية و معاداة المسلمين و جعل البعض يتطرف من خلال تصريحاته و تحرر خطاباته.
وكأن الرئيس ماكرون و وزير داخليته كانا ينتظران إستقطاب هذه الشريحة المتطرفة من ناخبي مارين لوبان. لكن للأسف حدثت عملية عكسية و إرتمت هذه الشريحة الناخبة في أحضان اليمين المتطرف أو بالأحرى كما أسميه، أنا، ذهبت إلى النسخة الأصلية.الأمر الذي ساهم في الحصول على هذه النتائج الكارثية للإنتخابات التشريعية و أيضا الأوروبية.
ميديا ناو بلوس : و في حال فوز اليمين المتطرف، كيف ستكون العلاقات الدبلوماسية مع بلدان المغرب على رأسها الجزائر؟
د.أحمد البرقاوي : في حال فوز اليمين المتطرف بالأغلبية المطلقة، فسيكون هناك خشية كبيرة على ملف الهجرة بصفة عامة خاصة فيما يتعلق بالأفارقة. و ستطلب العديد من الدول حماية رعاياها الموجودين في فرنسا.و في هذا السياق تأتي مسألة المصالح المشتركة بين هذه البلدان و فرنسا، خاصة الجزائر التي ساهمت في إخراج فرنسا من أزمة الغاز بعدما رفض بوتين تمويل أوروبا.
و بالتالي فرنسا، مطلوب منها أن تحترم العهود و المواثيق الموقعة مع بلدان المغرب العربي حتى بقيادة اليمين المتطرف.يقتضي على اليمين المتطرف مراعاة مصالح البلاد و الشركات الفرنسية الموجودة في الخارج و أيضا الحفاظ على مبدأ المصالح المشتركة و الصفقات التجارية في مختلف المجالات.
لكن اليمن المتطرف سبق و أن أشار إلى أنه ماض في تطبيق برنامجه الخاص بالهجرة مع ترحيل المهاجرين غير الشرعيين بكثافة لإرضاء ناخبيه. إلى جانب عدم السماح للمسلمين آداء شعائرهم كما هو الحال عليه.وستكون هناك تضييقات كبيرة على المسلمين مثل لحم حلال، منع الحجاب في الأماكن العامة و غلق المدارس الإسلامية.
و بالنسبة للعلاقات مع الجزائر، أعتقد أنها ستكون جد متوترة مع السلطة التنفيذية في البلاد و اليمين المتطرف في حال فوز هذا الأخير بالأغلبية المطلقة.