PHOTO 2022 03 20 15 01 12
فولوديمير زيلنسكي، الرئيس الأوكراني

فولوديمير زيلينسكي… خادم الشعب بين الكوميديا وتراجيديا الحرب

قد تكون قصة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أقرب للخيال منها إلى الواقع، وهو الممثل الفكاهي الذي انتقل من ممارسة فنون الدعابة والضحك على شاشة التلفزيون، ويخرج من دور رئيس شجاع للدولة في عالم التمثيل إلى الواقع، ويصبح فعلا متربعا على كرسي الرئاسة في أوكرانيا. لقد امتزج الفن بالسياسة في صدفة فريدة، فبرز للعالم قائدا مقداما، ومدافعا شرسا عن سيادة بلده ووحدتها الترابية، وحارس فطن لا ينام من الليل إلا قليله، في سبيل درء الخطر القادم من الشرق.
فما هي قصة هذا الرئيس الذي فاجأ الجميع بشجاعته، وهو يخلع الطقم الرسمي و”الكرافات” ويرتدي الزي العسكري، حاملا سلاحه في صفوف القوات الروسية، فيكون بذلك الجندي والقائد ؟

هدى مشاشبي/ ميديا ناو بلوس

هو فولوديمير أولكساندروفيتش زيلينسكي، ولد في الـ 25 جانفي 1978، لعائلة يهودية مستقرة في مدينة كريفي ريه الناطقة بالروسية في جنوب شرق أوكرانيا. والده أولكسندر زيلينسكي، أستاذ ورئيس قسم علم التحكم الآلي وأجهزة الحاسوب في معهد كريفي ريه للاقتصاد، وكانت والدته ريما زيلينسكا تعمل مهندسة.
في شبابه، لم يكن أحد يتصور أن يتوجه فولوديمير زيلينسكي إلى عالم السياسةن أو حتى أن يكون له طموح في استلام السلطة، ولم يكن هناك مشروع سياسي وحاكم يتم تدريبه على فنون وخبايا السياسة والحكم، لكنه كان طالبا يستمتع كثيرا بالعروض المسرحية التي كان ينشطها بانتظام في الجامعة، ليبرز منتصف التسعينيات كقائد لفرقة مسرحية ترفيهية راقصة كانت عروضها تُنقل آنذاك عبر أحد أكثر البرامج التلفزيونية شعبية في أوكرانيا.
وفي عام 2003، شارك هذا الشاب في تأسيس فريق إنتاج تلفزيوني ناجح أطلق عليه اسم “كفارتال 95″. وأنتج هذا الفريق برامج لشبكة 1+1 التلفزيونية الأوكرانية التي قام مالكها الملياردير إيغور كولومويسكي لاحقا بدعم حملة زيلينسكي للفوز برئاسة الجمهورية.
شارك فولوديمير زيلينسكي في عدة أعمال تلفزيونية ناجحة جدا، على غرار فيلم ” Love in the Big City” ( الحب في المدينة الكبيرة ) الذي أنتج سنة 2009، وفيلم “Rzhevsky Versus Napoleon ” ( ريفسكي مقابل نابليون ) سنة 2012، ولعبه في ذات السنة لدور رائد في فيلم، ” First Dates ” في جزئها الأول، وفي الثاني أيضا بين عامي 2015 و2016.
“خادم الشعب”
نعود إلى ما قبل 8 سنوات من الآن، وبالضبط في سنة 2015، تاريخ صدور الموسم الأول من مسلسل “Servant of the People ” ( خادم الشعب )، حيث وقّع فولوديمير زيلينسكي اسمه منتجا للعمل بطلا له في ذات الوقت، وهو العمل الذي أكسبه شهرة كبيرة، حيث تقمص شخصية مدرّس لمادة التاريخ، ناقم على نظام الحكم السائد في بلده أوكرانيا، يتحدث مع الطلاب حول سخطه على الحكومات، والترف الذي تعيشه السلطات الحاكمة، الأمر الذي يستغله أحد الطلاب ويصوره أثناء حديثه ذاك، ومن ثم يتم تداول الفيديو على نطاق واسع بين عموم الشعب المتقاسم مع الأستاذ نفس الأفكار والأحاسيس تجاه النظام ورموزه. وبعد تداول الفيديو، يتم فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية في البلاد، فيقرر مدرس التاريخ خوض السباق مؤسسا حزبا سياسيا جديدا باسم “خادم الشعب”، وبالفعل يستطيع أن يصل إلى سُدة الحكم بتأييد شعبي واسع، ويحصد أكثر من 67% من الأصوات الناخبة.

حزب سياسي ” خادم الشعب”
هذه الأحداث لم يعشها زيلينسكي في فيلمه الشهير فقط، بل تعدّت ذلك إلى الواقع، حيث أنه وبعد سنتين من صدور المسلسل، أسس الممثل الناجح حزبا سياسيا بنفس الإسم “خادم الشعب”، ويخوض غمار الرئاسيات في أوكرانيا، بدون دعاية أو تجمعات ضخمة أو ترويج، ولكن فقط باستغلال مواقع التواصل الاجتماعي ويفوز على منافسه الرئيس المنهية ولايته في 2019، بيترو بوروشينكو ويصبح رسميا رئيسا للبلاد.
خلال الحملة الانتخابية للدور الثاني من رئاسيات أوكرانيا لسنة 2019، علّق بيترو بوروشينكو قائلا: ” الولاية الرئاسية من 5 سنوات ليست مسرحية هزلية يمكننا تجاوزها إذا لم تكن مضحكة، وليست أيضا فيلم رعب يسهل إيقافه”، وأضاف: “أريد أن أذكّر الجميع أن الأمر لا يتعلّق بمزحة، إنها انتخابات تتعلق بمنصب القائد الأعلى”.
فعلا، تصريحات بوروشينكو لم تكن مخطئة، ولم تخطئ نبوءات مسلسل ” خادم الشعب أيضا “، حيث أن أحداثه عرضت نزول مدرس التاريخ هذا إلى الأراضي الأوكرانية وهي خالية على عروشها، بعد أن هجرها سكانها بسبب الخوف من اندلاع حرب مع جهات خارجية أو داخلية ضد جماعات الأوليغارشية المتغولة في البلاد، والتي سيطرت على الحكم قبل وصول المدرّس بطل الفيلم، فعاثت في البلاد فسادا واستغلالا لخيراته ومقدراته.
نبوءات الفيلم تحققت في عامنا هذا 2022، إذ وصل فولوديمير إلى سدة الحكم، تحت لواء ” خادم الشعب” وهو اليوم يواجه تراجيديا حقيقية، وليست عملا فنيا يحاكي الواقع، هو اليوم يواجه ثورة البركان الروسي الخامد لعقود، والذي انطلق منذ فيفري الماضي في ما اسماها “عملية عسكرية خاصة على الأراضي الأوكرانية”، وما أعقبها من تطورات تتدحرج بين الخطيرة وشديدة الخطورة، لا أرحم من ذلك.
قائد مقدام يرفض الاستسلام
تقارير تطوّرات الحرب الروسية على أوكرانيا في عهد الرئيس فولوديمير زيلينسكي المعاش، ليست بالفقيرة، ولا تلك المتعلّقة بالمعالجة الإعلامية والدبلوماسية والسياسية، لتعاطي الرجل الأول في أوكرانيا مع الغزو على بلاده، حيث تحوّل البطل الفكاهي إلى بطل حقيقي على أرض الميدان، وهو يتخلى عن زيه الرسمي وقصره الرئاسي، ويترك عائلته وأطفاله وراءه ويخرج حاملا سلاحه من أجل الدفاع عن أرضه والذود عنها، فلم يتوانى فولوديمير زيلينسكي ولم يتردّد في إعلان التحدي وإبراز العزيمة في قتال القوات الروسية المتقدمة يوما بعد يوم نحو العاصمة كييف.
شجاعة الرئيس الأوكراني ووفاءه لأرضه وشعبه باتت حديث كل لسان، ومصدر إلهام للقادة في القارات الخمس، وهو الذي يتنقل بين نقطة عسكرية وأخرى وكتيبة وأخرى ومكتب وآخر يتابع آخر التطورات وأدق التفاصيل بخصوص الوضع الراهن، يخاطب الأمة باستخدام هاتفه، ويتصل بقادة الدول وزعمائها ينشر التقارير، ويجري مقابلات صحفية أيضا، فبات قدوة لكل جندي أوكراني رافض للاستسلام، ولعلّ ما تم نشره أمس بخصوص الفيديو المسجل الذي يظهر فيه الرئيس الأوكراني وهو يخاطب قوات بلاده بأمر الاستسلام لخير دليل على قوة تأثيره في عناصرها، ما جعل من فعل “التزييف العميق” استراتيجية يراها الخصوم ناجعة لكسر انظباط الجيش الأوكراني وإحباط معنوياته، بزعزعة استقراره ووحدته.
فولوديمير زيلينسكي، لم يترك محاولة على وأقدم عليها، ولا بابا إلا وطرقه من أجل درء الخطر الروسي عن أرضه وشعبه، فاستغل منصبه أيما استغلال لدعوة الدول والشعوب لمساندة أوكرانيا في حربها ضد الروس، فقال مخاطبا البرلمان الأوروبي، وهو يلقي كلمة عبر تقنية الاتصال عن بعد: ” نريد أن نكون عضوًا متساويًا في أوروبا، اليوم أعتقد أننا أظهرنا أننا على هذا النحو، الاتحاد الأوروبي سيكون أقوى معنا، بدونه، ستكون أوكرانيا وحدها. لقد أثبتنا قوتنا، فأثبت بأنك معنا، أثبت أنك لن تتركنا”.
وكرّس زيلينسكي جزءا كبيرا من خطابه أمام البرلمان الكندي، قبل ثلاثة أيام، لدعوة أعضائه وجميع الكنديين لتخيّل ما يعيشه الأوكرانيون منذ بداية الحرب التي شنتها روسيا على بلادهم، فيقول: ” تخيلوا مطار أوتاوا يتعرض للقصف مثل مطاراتنا، تخيلوا مدينة فانكوفر محاصرة مثل ماريوبول، تخيلوا الأطفال يموتون في تورونتو “.
وخاطب الرئيس الأوكراني أعضاء الكونغرس الأميركي، الأربعاء الماضي، عبر تقنية الفيديو مطالبا إياهم بفرض مزيد من العقوبات على روسيا وتقديم المساعدة العسكرية لكييف. وطلب زيلينسكي، مرة أخرى، من أمريكا وكندا وألمانيا وجميع الحلفاء العسكريين بأن يوافقوا على فرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا، فخطوة من هذا النوع تمنع الطيران العسكري الروسي من قصف المدن الأوكرانية، وهو الطلب الذي يرفعه الأخير منذ بداية الغزو الروسي لبلاده في 24 فيفري الماضي، فهل من مجيب ؟
ليس بهارب..
لقد رفض زيلينسكي الهروب ومغادرة البلاد، أمام المأساة الحقيقية التي تعيشها بلاده، بالرغم من خروج ما يصل على مليوني لاجئ أوكراني من الحدود نحو دول مجاورة، وهو لا يستبعد سقوطه قتيلا على أيدي العدو، وهو المستهدف رقم واحد وعائلته، من عملية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العسكرية، حسب قوله، وبالرغم من ذلك فهو يطالب بمقابلة الأخير “حتى لا يقول شعبي أن رئيس بلادهم لم يحاول”،
إنه موقف صعب للغاية، لو اقتصر على فيلم فقط سيكون جديرا بجائزة الأوسكار، لكن هو حقيقة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، هذه الشخصية التي لم تسجل اسمها في عالم التمثيل فقط، بل سجلته وبأحرف من ذهب في سجلات التاريخ التي ستذكر حتما شجاعته كبطل قومي من أمثال كاسترو ومانديلا.

عن Nawel Thabet

شاهد أيضاً

vito

أمريكا تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة

استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض “الفيتو” لمنع دولة فلسطين من الحصول على العضوية الكاملة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Facebook
ميديا ناوبلوس - MEDIANAWPLUS