الأكاديمي أحمد البرقاوي، المختص في القضايا الجيو-استراتيجية بباريس

اعتراف فرنسا بدولة فلسطين: “تحوّل استراتيجي سيغيّر قواعد اللعبة في الشرق الأوسط”, يقول الاكاديمي احمد البرقاوي

في حوار خصّ به ميديا ناو بلوس، اعتبر الأكاديمي أحمد البرقاوي، المختص في القضايا الجيو-استراتيجية بباريس، أنّ اعتراف فرنسا  بدولة فلسطين ليس مجرّد موقف رمزي، بل قرار تاريخي من شأنه أن يحرك المياه الراكدة في المجتمع الدولي، ويشكل ضغطًا غير مسبوق على إسرائيل والولايات المتحدة، ويفتح الباب أمام مرحلة سياسية جديدة من شانها تغيير قواعد اللعبة  في الشرق الأوسط.

حاورته نوال . ثابت / ميديا ناو بلوس

ميديا ناو بلوس: نعلم أن موقف فرنسا المؤيد للاعتراف بالدولة الفلسطينية ليس وليد اليوم. ما قراءتك لهذا الاعتراف؟ ولماذا اختار ماكرون هذا التوقيت بالذات؟

أحمد البرقاوي: أشكركم أولاً على الاستضافة. من الملاحظ أن موقف فرنسا تطوّر بسرعة كبيرة منذ أحداث 7 أكتوبر (الطوفان الأقصى) وما تلاها من تصعيد وتفاقم للمجزرة بحق الشعب الفلسطيني. برأيي، موقف فرنسا يجد جذوره في حقبة ديغول ويمثل امتداداً لتقليد قديم في الوقوف إلى جانب الفلسطينيين. الإعتراف لم يكن مفاجئاً بل منتظراً، لأن ماكرون حاول بجدية تفهم معاناة الفلسطينيين، خاصة مع تصلّب الموقف الإسرائيلي وردود نتانياهو المتشددة.
في الواقع، أرى أن لايمانويل ماكرون فضل كبير في كسر حالة الجمود الدولي و تحريك المياه الراكدة التي أيقظ من خلالها دولاً عديدة من سباتها  إزاء إجرام نتانياهو، الذي أودى بحياة قرابة 70 ألف فلسطيني ودمّر ثلث غزة وسعى إلى تهجير سكانها. قال ماكرون بصوت عالٍ: “آن الأوان للاعتراف بدولة فلسطين، لا يمكن الاستمرار في الصمت”. ورغم اتهامه بمعاداة السامية، ردّ بعقلانية مؤكّدًا أنّ الاعتراف هو السبيل لإضعاف نفوذ حركة حماس مستقبلاً هو أيضاً استراتيجية لعزل تأثيرها وفتح الطريق لحل سياسي دائم. فبدون هذا الاعتراف سيبقى الصراع مستمراً لعقود.

وبغض النظر عن تحفظاته تجاه حماس وسلاحها ورفضه عودتها للحكم، استطاع ماكرون أن يؤسس لموقف دولي انضمت إليه عشر دول من بينها بريطانيا وأستراليا وكندا وهولندا. وهو ما أعطى زخماً أكبر للموقف.
الرئيس الفرنسي يجسّد بالفعل القيم الوطنية الفرنسية، إذ تحرص باريس اليوم على تصحيح مسارها الدبلوماسي للحفاظ على مكانتها.

هل لفرنسا فضل في اصطفاف عشر دول أخرى خلفها؟ وهل سيؤدي هذا التكتل إلى تغيير فعلي؟

نعم، بلا شك. أرى أن الاعتراف الجماعي الذي جرى في الأمم المتحدة ستكون له تداعيات سياسية ضخمة، إذ لأول مرة تعترف قوى كبرى مثل فرنسا وبريطانيا – أعضاء دائمون في مجلس الأمن – بدولة فلسطين، ما من شأنه تغيير قواعد اللعبة في المنطقة.

لم تعد إسرائيل تملك وحدها رسم خرائط الشرق الأوسط أو توسيع نفوذها، والموقف الفرنسي يبعث رسالة واضحة بأن التوسع لم يعد حقاً مشروعاً لها. كما يوجه رسالة أخرى إلى نتنياهو أن واشنطن لم تعد وحدها تحدد النظام الدولي. ثقل هذه الرسائل لا يُستهان به؛ الاعتراف هنا ليس شكلياً بل يحمل مضموناً وتبعات عميقة.

هذا القرار يوجّه رسائل عدّة:
أولاً لإسرائيل: لم يعد لك الحق في التوسع دون رادع.
ثانياً للولايات المتحدة: لم تعُد الجهة الوحيدة القادرة على صياغة النظام الدولي.
ثالثاً لبقية العالم: هناك توازنات جديدة تفرض نفسها.
هذا الاعتراف سيؤدي إلى تداعيات على المدى المتوسط، خصوصاً مع دول أوروبية أخرى بدأت تعيد النظر في مواقفها، مثل ألمانيا.
نذكّر هنا على سبيل المثال أن كثيراً من الدول الإفريقية التي كانت خاضعة للاستعمارين البريطاني والفرنسي حصلت أولاً على حكم ذاتي قبل الاستقلال الكامل، وهو ما يجعل من خطوة فرنسا اتجاه فلسطين إيجابية وهامة. أستحضر في هذا السياق قول بورقيبة: “خذ وطالب”.
من الضروري أن يقبل الفلسطينيون اليوم بما تفرضه الشرعية الدولية وحدود 67، خاصة وأن الكيان الإسرائيلي يمر حاليًا بأضعف فتراته بعد 75 عاماً من نشأته.

ما هي السيناريوهات المرتقبة لما بعد الاعتراف الفرنسي و  كيف  سيكون المشهد بعد هذا القرار ؟

أعتقد أن الكيان الإسرائيلي بات يعتمد على الدعم الأمريكي فقط. وهو دعم بدأ يتزعزع. ماكرون حذّر علناً من التوسع الإسرائيلي وأكد أن الضفة الغربية “خط أحمر”. اليوم، حتى الإدارة الأمريكية تتعرض لانتقادات داخلية، وترامب نفسه صرّح أن إسرائيل فقدت نفوذها في الكونغرس وأضرت بمصالح أمريكا.

أرى أن إسرائيل ستخسر كثيراً على المدى المتوسط على صعيد العلاقات مع فرنسا وألمانيا، خصوصاً مع تنامي امتعاض برلين مما يحدث في غزة.
من المهم التذكير بدور السعودية التي شاركت باريس هذه المبادرة. المملكة قوة إقليمية لا يمكن تجاوزها ولها تأثير ضخم في ملفات المنطقة وملف الطاقة العالمي تحديداً. وهذا ما يجبر الإدارة الأمريكية على مراجعة أوراقها؛ إذ لم يعد بمقدورها الاستمرار في ذات السياسة، خاصة مع دخول الصين وروسيا كلاعبين قويين، ولا سيما في أفريقيا والمنطقة المغاربية. إذا استمر الدعم الأمريكي للحكومة المتطرفة الإسرائيلية، فإن الولايات المتحدة ستتكبّد خسائر استراتيجية كبيرة وهي مطالبة اليوم بمراجعة موقفها من إسرائيل.

Envie d'un cookie pour enrichir votre expérience ? 🍪


Merci de visiter medianawplus.fr !

Votre confidentialité est notre priorité. La publicité nous permet de vous offrir un accès gratuit à des informations fiables et de qualité, à tout moment.

En acceptant les cookies, vous profitez d'une actualité savoureuse, agrémentée de découvertes en ligne. Vous pouvez également continuer sans les accepter, à votre convenance.

Avec nos partenaires, nous utilisons certaines données (comme votre adresse IP ou vos préférences de navigation) pour :
- Améliorer votre expérience utilisateur
- Mesurer notre audience
- Vous proposer des contenus et publicités adaptés
- Faciliter vos interactions avec les réseaux sociaux et services tiers

En continuant votre navigation sur ce site après la fermeture automatique de cette fenêtre ou en cliquant sur le bouton "j'accède au site" ceci signifie que vous acceptez nos finalités conformément à nos CGU, Mentions Légales et Politique de Confidentialité.

Merci de votre compréhension et de votre confiance !

This will close in 30 seconds

error: Tous les contenus sont soumis à droit d'auteur.